عن أهميّة النشرات البريدية ولماذا تعود بقوّة

ليست النشرة البريدية نمطًا جديدًا من النشر؛ ففكرة النشرات البريدية موجودة منذ اختراع البريد الإلكتروني حيث كان الناس يضيفون عناوينهم الخاصّة بهم إلى قائمة معيّنة للحصول على تحديثات وأخبار كل فترة عن موضوعٍ ما، ولكن الجديد اليوم هو أن النشرات البريدية صارت عائدة وبقوّة.

لقد امتلأ الإنترنت بالكثير من مواقع الإنترنت منخفضة الجودة، وهو بدوره ما أدى إلى سوء نتائج البحث الصادرة عن المحرّكات البحثية مثل جوجل وغيرها عند البحث عن الكثير من الكلمات المفتاحية، فجودة نتائج جوجل لم تعد كالسابق. يحصل هذا لأن الكثير من الناس صاروا يدخلون مجال إنشاء مواقع الويب الإلكترونية بهدف الربح أو الشهرة لا غير، وبالتالي ينشرون المقالات على شكل سبام SEO بهدف تصدّر هذه النتائج بغض النظر عن أي اعتبار للزوّار.

وفوق ذلك كله، هناك ازدياد عمومًا في عدد مواقع الإنترنت الجيدة أيضًا، فليست السيئة هي الوحيدة بازدياد. من الناحية النظرية هذا أمر جميل فنحن جميعًا نحب مواقع الإنترنت عالية الجودة التي تقدم المحتوى المفيد، لكن كيف سنتمكن كمستخدمين من متابعة كل هذه المواقع وتصفّح محتواها باستمرار؟ هنا يأتي دور النشرات البريدية.

قد تجد نشرات بريدية:

  • مقسّمة على حسب التصنيف أو الموضوع في الموقع، بدلًا من نشرة واحدة جامعة.
  • نشرة واحدة تصدر يوميًا أو أسبوعيًا أو شهريًا بها آخر التطورات.
  • مجانية أو مدفوعة، على حسب ما يريده صاحبها.
  • مؤتمتة يكون النشر فيها تلقائيًا (ترسلها البرامج الحاسوبية) أو يدوية يكتبها إنسان في كل مرة.

إلا أن المشترك بينها جميعًا هو أن المستخدم بحاجة لإدخال بريده الإلكتروني للاشتراك بها مرة واحدة فقط، ثم سيتوصّل بجميع الرسائل البريدية من تلك النشرة على بريده الإلكتروني. يريح هذا الأمر المستخدم من عناء التحقق من جميع هذه المواقع الإلكترونية الواحدة تلو الآخر، أو من استخدام برامج متابعة خلاصات الـRSS لمتابعة جديدها.

النشرات البريدية حلٌ جيدٌ إذًا لمشكلة العثور على المحتوى الجيّد في كومة القشّ الكبيرة من المحتوى السيئ التي نعاني منها في عصرنا، لأنه يكفي للمستخدم رؤية الموقع مرة واحدة فقط للتسجيل بالنشرة الإلكترونية ليصبح من جمهور ذاك الموقع.

موضة النشرات البريدية

النشرات البريدية في ازدياد، وصار هناك خدمات كثيرة جدًا توفّرها سواءٌ على الصعيد الأجنبي مثل Substack أو العربي مثل هدهد، هذا فضلًا عن خدمات المراسلة الإلكترونية التقليدية مثل MailChimp وMailerLite.

يذكر تقرير النشرات البريدية من Trends مجموعةً من النشرات البريدية العملاقة التي تدرّ على أصحابها ملايين الدولارات سنويًا، أو التي كانت على ذلك. أبرزها في التاريخ كانت نشرة DailyCandy اليومية المتخصصة في أخبار الأعمال والأنشطة التجارية الجديدة في كل مدينة محليّة (في أمريكا)، والتي بدأت سنة 2000م ثمّ باعها صاحبها سنة 2003م مقابل 3.5 مليون دولار، ثمّ اشترتها شركة Comcast سنة 2008م من صاحبها الجديد مقابل 125 مليون دولار.

اليوم هناك نشرات بريدية كثيرة جدًا، وتقريبًا يمتلك كل موقع إلكتروني متخصص في إنتاج المحتوى نشرةً بريديةً خاصةً به.

اشتهر موقع Substack بالنشرات البريدية عالية الجودة في جميع مجالات الحياة، من الزراعة إلى الهندسة إلى البرمجة إلى ريادة الأعمال… ستجد دومًا أنه هناك شخص على الأقل يقوم على نشرة بريدية لتلخّص لك أهم المواضيع الرائجة حاليًا في المجال بالإضافة إلى آخر الأخبار.

لكن ميزة Substack الأبرز هي النشرات البريدية المدفوعة، فمستخدمو الإنترنت صاروا يدركون أن الزمن الذي كان فيه كل شيءٍ مجانيًا قد ولّى، وأن المحتوى عالي الجودة لا بد من الدفع للحصول عليه. أتاح موقع Substack خدمة النشرات البريدية المدفوعة مقابل عمولة بسيطة يقتطعها من أصحاب هذه النشرات عن كل مشترك، فيمكن للمشترك أن يدفع 15$ أو 20$ شهريًا مثلًا، فيأخذ الموقع 10% من أرباح النشرة ككل.

لماذا يحب صنّاع المحتوى النشرات البريدية؟

هناك عدة أسباب لذلك:

  • أنت لا تحتاج للكثير من الجهد لإنشاء نشرة بريدية، ففي النهاية هي مجرد رسالة إلكترونية ويكأنك ترسلها إلى شخصٍ تعرفه. في الواقع يمكنك إنشاء نشرة بريدية والمداومة عليها حتى دون الحاجة لامتلاك موقعٍ إلكتروني، وهو ما يعني انخفاض التكاليف وعدم الحاجة لبذل مجهودٍ كبير.
  • لست بحاجة لمذاكرة قواعد تحسين محركات البحث (SEO) والعمل عليها سنينًا طويلة من عمرك لتستقطب المستخدمين الجدد باستمرار، ولست بحاجة لتحسين كل مقال تريد أن تنشره ليوافق هذه المعايير، بل تنشر كيفما تشاء في نشرتك.
  • كامتداد للنقطة السابقة: عندما تكتب مقالًا جديدًا على موقعك فأنت بحاجة لكتابة مقدمة وخاتمة وجعل المقال بشكل معيّن ليكون صالحًا للنشر، وقد تفعل ذلك رغمًا عنك بهدف كسب الزوار من محركات البحث. قد تحتاج أن تكتب مقالًا من 1000 كلمة رغم أنه يمكنك تلخيص الفكرة في سطر أو سطرين لأنك مجبور على كتابة المقال. الأمر مختلف في النشرات البريدية؛ لأنه يمكنك كتابة المحتوى كيفما تشاء بأريحية فالمشترك موجود عندك في قائمتك على الحالتين.
  • وستحتاج بالتالي إلى الحفاظ على معدل نشر معيّن، وهو بدوره ما يؤدي لمجهود أكبر.
  • معدّل تحويل المشتركين إلى عملاء (Conversion Rate) لشبكات التواصل الاجتماعي هو 1% كمتوسط، إلا أنه 3% كمتوسط في النشرات البريدية، أي أن النشرات البريدية تحقق 3 أضعاف ما تحققه شبكات التواصل من عمليات التحويل (انظر تقرير Trends السابق).
  • صنّاع النشرات البريدية يبنون علاقة مباشرة مع جمهورهم، فهناك هوية مترابطة قوية تجمعهم حول الموضوع الذي يتحدثون عنه، على عكس مواقع الويب التي قد تبدو جميعًا كبعضها البعض والتي قد يدخلها الزائر ثم يخرج ولا يعود مرة أخرى. النشرات البريدية عملية مستدامة طويلة الأمد.
  • من السهل جدولتها ومتابعتها يوميًا أو أسبوعيًا أو شهريًا، على عكس مواقع المحتوى التي تحتاج أطنانًا من الجهد لصيانتها.
  • يكفي للمستخدم أن يشترك مرة واحدة لتصله جميع رسائلك، على عكس شبكات التواصل مثل فيسبوك الذي لا يوصل منشوراتك سوى إلى 10% من معجبي الصفحة مثلًا.

إن أخذت هذه الأسباب بعين الاعتبار، مع سوء نتائج محركات البحث مؤخرًا وازدياد معدّل السبام في مواقع الويب فستجد أنه من المنطقي جدًا سواءٌ للمستخدمين العاديين أو لأصحاب النشرات البريدية أن يعودوا بقوة إلى هذا المجال، لأنه يحل المشكلة من الطرفين.

نشرة حوسبة: نشرة بريدية عربية عن علوم الحاسوب

لعلك تعلم الآن بالفعل أننا نمتلك نشرة بريدية خاصّة بموقعنا، إلا أن نشرة حوسبة ليست مرتبطة بالموقع فحسب بل هي نشرة أسبوعية تغطّي آخر تطورات علوم الحاسوب والمجال التقني بالإضافة لأبرز النقاشات المهمة خلال تلك الفترة. إن لم تكن مشتركًا بها فيمكنك الاشتراك من مربع الاشتراك في نهاية هذه الصفحة (تذييل موقعنا) أو عبر ملف النشرة البريدية (يمكنك تصفّح الأرشيف السابق من هناك أيضًا).

لقد أطلقنا نشرة حوسبة لعدة أسباب:

  • يمكننا تناول أي موضوع نريده دون الحاجة لنشر مقالة طويلة متكاملة على موقعنا.
  • يمكننا تغطية الأخبار دون الحاجة لإزعاج الناس بها فورًا، فلا نحتاج نشر مقال أو نشر منشورات جديدة على قنوات وسائل التواصل التابعة لنا، بل يكفي أن نكتبها كبضعة أسطر في قسم الأخبار في النشرة.
  • نحن لا نحب الانشغال بالماجريات، ونريد التركيز على المفيد والمهم فقط، والنشرة البريدية هي المكان الأبرز لوضع أي أخبار حصلت خلال الأسبوع بدلًا من نشرها على الموقع مع المقالات الدسمة الأخرى.
  • نحن لم نبدأ النشر بكثافة على موقع حوسبة بعد، وما زلنا في مرحلة الإعداد والتخطيط، وبدلًا من الانتظار الطويل دون شيء كان من المناسب لنا أن نعمل نشرة بريدية أسبوعية لنبقى على تواصل مع جمهورنا.

نحن أيضًا لا نشير للنقاشات والأخبار في النشرة فنقول “حصل كذا وكذا” فقط؛ بل نقدم توصياتٍ وتعليقاتٍ على هذه الأحداث قد تساعدك كشخص على اتخاذ قرارات مصيرية قد تتعلق بك وبوظيفتك ودراستك ومستقبلك بناءً على ما تقرؤه، فمثلًا عندما تحدثنا عن توطين الإنترنت وكيف أن الدول بدأت تتجه للحلول مفتوحة المصدر، ذكرنا كيف أن هذا سيؤثر على سوق الأعمال والأسهم والشركات التقنية الكبرى، وبالتالي كيف سيؤثر عليك كفرد.

ولعل نشرة حوسبة هي النشرة العربية الوحيدة المتخصصة بعلوم الحاسوب على الشبكة، ولهذا رأينا أن نسد ثغرًا في هذا المجال المهم والحيوي الذي يشكّل عالمنا اليوم.

الوقت المناسب للبدأ هو الآن

تقريبًا النشرات البريدية تكاد تكون منعدمة على الصعيد العربي، وحتى الموجود منها ضعيف الجودة ولا يرقى لذاك الأجنبي. السوق العربي فارغ وبالتالي إن كنت صاحب محتوى أو رائد أعمال أو مدير شركة فإن اللحظة الحالية هي أنسب وقتٍ لك لدخول المجال.

عمل النشرات البريدية ليس عملًا صعبًا، خصوصًا إن كانت وتيرة النشرة منخفضة (أسبوعيًا أو شهريًا مثلًا)، في نشرة حوسبة نتبع الأسلوب التالي:

  • نجمع كل الأخبار والنقاشات المهمة التي نراها على الشبكة خلال الأسبوع على قناة خاصّة في تلجرام، لا نجمع سوى ما نخطط للحديث عنه بالفعل وبالتالي الفلترة تكون في هذه المرحلة.
  • يوم الخميس من كل أسبوع نأخذ هذه النقاشات والمقالات والأخبار ونرى ما هو الأكثر أهمية منها، فنجعله موضوع النشرة بينما نضع البقية في قسم الأخبار السريع.
  • نكتب تعليقاتٍ وتحليلات على كل موضوع ونقاش.
  • نرسل النشرة في يوم الجمعة.

يمكنك توظيف أي مستقل على مواقع العمل الحر أو الاعتماد على أي موظف في شركتك ليقوم بعمل نشرة بريدية أسبوعية متخصصة بالمجال الذي أنت مهتمٌ به، وهو ما قد يفتح المجال لتحويل الكثير من المتابعين هؤلاء إلى عملاء في خدمتك أو منتجك الذي تحاول بيعه لاحقًا.

هناك الكثير من الخدمات المتوفرة لعمل النشرات البريدية، لكننا نفضل خدمة هدهد؛ وهي خدمة عربية جديدة متخصصة في إنشاء النشرات البريدية وإدارتها. ما تزال في بداياتها وقد تجدها ينقصها بعض المميزات، لكنها تؤدي الغرض، ونحن نستعملها كنوعٍ من الدعم للمشاريع العربية ونشرها والاعتماد عليها بدلًا من الاعتماد على الأجنبية.